في معالم الاختلاف بين الأئمة وآدابه

السبت، 22 مايو 2010


لقد اختلف الأئمة في كثير من الأمور الاجتهادية، كما اختلف الصحابة والتابعون قبلهم؛ وهم جميعاً على الهدى ما دام الاختلاف لم ينجم عن هوى أو شهوة أورغبة في الشقاق، فقد كان الواحد منهم يبذل جهده وما في وسعه ولا هدف له إلاّ إصابة الحق وإرضاء الله جل شأنه، ولذلك فإن أهل العلم في سائر الأعصار كانوا يقبلون فتاوى المفتين في المسائل الاجتهادية ما داموا مؤهلين، فيصوبون المصيب، ويستغفرون للمخطئ، ويحسنون الظن بالجميع، ويسلمون بقضاء القضاة على أي مذهب كانوا، ويعمل القضاة بخلاف مذاهبهم عند الحاجة من غير إحساس بالحرج أو انطواء على قول بعينه، فالكل يستقي من ذلك النبع وإن اختلفت الدلائل، وكثيراً ما يصدّون اختياراتهم بنحو قولهم: "هذا أحوط " أو "أحسن " أو "هذا ما ينبغي " أو "نكره هذا " أو "لا يعجبني " فلا تضييق ولا اتهام، ولا حجر على رأي له من النص مستند، بل يسر وسهولة وانفتاح على الناس لتيسير أمورهم.

لقد كان في الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ومن بعدهم من يقرأ البسملة، ومنهم من لا يقرأها، ومنهم من يجهر بها، ومنهم من يسر، وكان منهم من يقنت في الفجر، ومنهم من لا يقنت فيها، ومنهم من يتوضأ من الرعاف والقيء، والحجامة، ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومنهم من يرى في مس المرأة نقضاً للوضوء، ومنهم من لا يرى ذلك، ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الإبل أو ما مسته النار مساً مباشراً، ومنهم من لا يرى في ذلك بأساً.

إن هذا كله لم يمنع من أن يصلي بعضهم خلف بعض، كما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأئمة آخرون يصلون خلف أئمة المدينة من المالكية وغيرهم ولو لم يلتزموا بقراءة البسملة لا سراً ولا جهراً، وصلى الرشيد إماماً وقد احتجم فصار الإمام أبو يوسف خلقه ولم يعد الصلاة مع أن الحجامة عنده تنقض الوضوء.

وكان الإمام أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الرعاف والحجامة، فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ هل يصلى خلفه؟ فقال : "كيف لا أصلي خلف الإمام مالك وسعيد بن المسيب "(125). وصلى الشافعي رحمه الله الصبح قريباً من مقبرة أبي حنيفة رحمه الله فلم يقنت - والقنوت عنده سنة مؤكدة - فقيل له في ذلك، فقال: "أخالفه وأنا في حضرته " وقال أيضاً: "ربما انحدرنا إلى مذهب أهل العراق "(126).

وكان مالك رحمه الله أثبت الأئمة في حديث المدنيين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوثقهم إسناداً، وأعلمهم بقضايا عمر وأقاويل عبد الله بن عمر وعائشة وأصحابهم من الفقهاء السبعة رضوان الله عليهم أجمعين، وبه وبأمثاله قام علم الرواية والفتوى، وقد حدّث وأفتى رضي الله عنه ، وألّف كتابه "الموطأ" الذي توخى فيه إيراد القوي من حديث أهل الحجاز، كما نقل ما ثبت لديه من أقوال الصحابة وفتاوى التابعين، وبوّبه على أبواب الفقه فأحسن ترتيبه وأجاد، وقد اعتبر "الموطأ " ثمرة جهد الإمام مالك لمدة أربعين عاماً، وهو أول كتاب في الحديث والفقه طهر في الإسلام ، وقد وافقه على ما فيه سبعون عالماً من معاصريه من علماء الحجاز، ومع ذلك فحين أراد المنصور كتابة عدة نسخ منه، وتوزيعها على الأمصار، وحمْل الناس على الفقه الذي فيه حسماً للخلاف كان الإمام مالك أول من رفض ذلك، فقد روي عنه أنه قال: "يا أمير المؤمنين، لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت لهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وأتوا به من اختلاف الناس فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم… فقال الخليفة: وفقك الله يا أبا عبد الله " (127).

فأي رجل هذا الإمام الجليل الذي يأبى أن يحمل الناس على الكتاب الذي أودع فيه أحسن ما سمع من السنة، وأقوى ما حفظ وأدرك من العلم الذي لا اختلاف فيه عند أهل المدينة وذلك الحشد من علماء عصره.

رسالة الليث بن سعد إلى الإمام مالك:

ولعل من أفضل وأحسن أمثلة أدب الاختلاف تلك الرسالة العلمية الرائعة التي بعث بها فقيه مصر وإمامها وعالمها الليث بن سعد إلى الإمام مالك، يعرض عليه فيها وجهة نظره في أدب جم رفيع حول كثير مما كان الإمام مالك يذهب إليه ويخالفه فيه الليث بن سعد، ونظراً لطول الرسالة نقتطف منها ما يشير إلى ذلك الأدب الرفيع الذي اختلف في ظله سلف هذه الأمة، وكرام علمائها، يقول الليث بن سعد:

"… سلام عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلاّ هو أما بعد: عافانا الله وإيّاك، وأحسن لنا العاقبة في الدنيا والآخرة، قد بلغني كتابك تذكر فيه من صلاح حالكم الذي يسرني، فأدام الله ذلك لكم، وأتمه بالعون على شكره والزيادة من إحسانه … ثم يقول: وإنه بلغك أني أفتي الناس بأشياء مخالفة لما عليه الناس عندكم، وأني يحق عليَّ الخوف على نفسي لاعتماد من قبلي على ما أفتيهم به، وأن الناس تبع لأهل المدينة التي كانت إليها الهجرة، وبها نزل القرآن، وقد أصبت بالذي كتبت به من ذلك - إن شاء الله تعالى - ووقع مني بالموقع الذي نحب، وما أجد أحداً ينسب إليه العلم أكره لشواذ الفتيا، ولا أشد تفضيلاً لعلماء أهل المدينة الذين مضوا، ولا آخذ لفتياهم فيما اتفقوا عليه مني والحمد لله رب العالمين لا شريك له ".

ثم يمضي الإمام الليث بن سعد في رسالته مورداً أوجه الاختلاف بينه وبين الإمام مالك رحمهما الله تعالى حول حجية عمل أهل المدينة مبيناً أن كثيراً من السابقين الأولين الذين تخرجوا في مدرسة النبوة حملوا إلى مشارق الأرض ومغاربها، وهم يجاهدون، ما تعلموه من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبيّن أن التابعين قد اختلفوا في أشياء وكذلك من أتى بعدهم من أمثال: ربيعة بن أبي عبد الرحمن حيث يذكر بعض مآخذه عليه، ثم يقول: "ومع ذلك - حمد الله - عند ربيعة خير كثير، وعقل أصيل، ولسان بليغ، وفضل مستبين، وطريقة حسنة في الإسلام، ومودة صادقة لإخوانه عامة، ولنا خاصة، رحمة الله وغفر له وزاه بأحسن ما عمله " ثم يذكر من أمثلة الاختلاف بينه وبين الإمام مالك قضايا عديدة مثل: الجمع ليلة المطر - والقضاء بشاهد ويمين - ومؤخر الصداق لا يقبض إلاّ عند الفراق - وتقديم الصلاة على الخطبة في الاستسقاء… وقضايا خلافية أخرى، ثم قال في نهاية الرسالة "… وقد تركت أشياء كثيرة من أشابه هذا، وأنا أحب توفيق الله إيّاك، وطول بقائك، لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة، وما أخاف من الضيعة إذا ذهب مثلك، مع استئناسي بمكانك وإن نأت الدار، فهذه منزلتك عندي ورأيي فيك فاستيقنه، ولا تترك الكتاب إليّ بخبرك وحالك وحال ولدك وأهلك، وحاجة إن كانت لك، أو لأحد يوصل بك فإني أسر بذلك، كتبت إليك ونحن معافون والحمد لله، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم شكر ما أولانا، وتمام ما أنعم به علينا، والسلام عليكم ورحمة الله " (128).

إن هناك كثيراً من المناظرات العلمية الدقيقة المليئة بأدب الاختلاف حفلت بها تب التراجم والتاريخ والمناظرات ونحوها، ولا يكاد المرء يفتقد "أدب الاختلاف " بين أهل العلم إلاّ بعد شيوع التقليد وما رافقه من تعصب وتعثر في سلوك أهل العلم، نظراتهم إلى العلم نفسه، ولا سيما بعد أن خلت الساحة من أمثال العلماء الذين يقول فيهم الإمام الغزالي: "وكان قد بق من علماء التابعين من هو مستمر على الطراز الأول، وملازم صفو الدين، ومواظب على سمت علماء السلف، فكانوا إذا طُلبوا هربوا وأعرضوا " فاضطر الخلفاء إلى الإلحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات، وحل محل هذا الرعيل المبارك طلاب الدنيا بالدين، وحل الذي هو أدنى مكان الذي خير، وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: "فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء وإقبال الأئمة والولاة عليهم مع إعراضهم عنهم، فاشر أبوا بطلب العلم توصلاً إلى نيل العز، ودرك الجاه من قبل الولاة، فأكبّوا على علم الفتاوى وعرضوا أنفسهم على الولاة، وتعرفوا إليهم، وطلبوا الولايات والصلات منهم، فمنهم من أنجح، والمنجح لم يخل من ذل الطلب ومهانة الابتذال فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين، وبعد أن كانوا أعزة بالإعراض عن السلاطين أذلة بالإقبال عليهم إلاّ من وفقه الله تعالى في كل عصر من علماء دين الله "(129).

لقد صوّر الإمام الغزالي رحمه الله واقع العلماء بعد أن غدت الدنيا مطلبهم، وصار الدين الطريق الوحيد الموصل إلى أبواب الولاة، كما أصبحت الرغبة في كسب ودّهم هي التي تدفع فئات ممن تزيوا بزي العلماء إلى طلب العلم.

إن الإمام مالكاً عليه رحمة الله يقول: "لا يؤخذ هذا العلم من أربعة، ويؤخذ ممن سواهم: لا يؤخذ من سفيه، ولا يؤخذ من صاحب هوى يدعو إلى بدعته، ولا من كذّاب يكذب في أحاديث الناس وإن كان لا يتهم على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحمل ويحدث به " (130). وقال أيضاَ: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، لقد أدركت سبعين ممن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين (وأشار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فما أخذت عنهم شيئاً، وإن أحدهم لو اؤ تمن على بيت مال كان أميناً، إلاَّ أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، وقدم علينا ابن شهاب فكنا نزدحم على بابه " (131) .

ورجال تلك صفاتهم لم يكن ليقع بينهم كبير اختلاف، وإن وقع فمن أجل الحق، ولن يدس الهوى أنفه في خلاف لا يدعو إليه غير الحق… وحتى نؤصل الآداب التي سار على نهجها كرام علمائنا، فنجعل منهم لنا القدوة الصالحة، وتكون خلالهم الكريمة تلك مثلاً نحتذي به، نقدم نماذج من أدب الاختلاف بين كبار الأئمة من السلف الصالح رضوا الله عليهم.

أبو حنيفـة ومالـك:

مرّ معنا في استعراضنا لمذهب الأئمة الاختلاف الكبير بين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله، وتباين الأسس التي يعتمدها كل منهما فيما يخص مذهبه؛ ولكن هذا لم يمنع، رغم فارق السن التي بينهما، أن يجلّ الواحد منهما صاحبه، وأن يكون معه على جانب كبير من الأدب مع اختلاف مناحيهما في الفقه… أخرج القاضي عياض في "المدارك " قال: قال الليث بن سعد: لقيت مالكاً في المدينة، فقلت له: إني أراك تمسح العرق عن جبينك. قال: عرقت مع أبي حنيفة، إنه لفقيه يا مصري. قال الليث: ثم لقيت أبا حنيفة، وقلت له: ما أحسن قول هذا الرجل فيك (يشير إلى مالك ) فقال أبو حنيفة: ما رأيت أسرع منه بجواب صادق، ونقد تام..(132).

محمد بن الحسـن ومالـك:

يعتبر محمد بن الحسن من أبرز أصحاب أبي حنيفة، وهو مدوِّن مذهبه، رحل إلى مالك ولازمه ثلاث سنين، وسمع منه الموطأ، ويتذاكر الإمامان محمد بن الحسن والشافعي يوماً، فيقول محمد: صاحبنا (يريد أبا حنيفة ) أعلم من صاحبكم (أي مالك ) وما كان لصاحبنا أن يسكت وما كان لصاحبكم أن يتكلم - كأنه يستثير الإمام الشافعي بذلك - فيقول الإمام الشافعي:

نشدتك الله من كان أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : مالك أو أبو حنيفة؟ فيقول محمد: مالك، ولكن صاحبنا أقيس. يقول الشافعي: قلت نعم، ومالك أعلم بكتاب الله من أبي حنيفة، فمن كان أعلم بكتاب الله وسنة رسوله كان أولى بالكلام، فيسكت الإمام محمد بن الحسن (133).

الشـافعي ومحمد بن الحسـن:

يقول الإمام الشافعي: ذاكرت محمد بن الحسن يوماً، فدار بيني وبينه كلام واختلاف، حتى جعلت أنظر إلى أوداجه تدر، وتتقطع أزراره.. (134).

ويقول محمد بن الحسن: إن كان أحد يخالفنا فيثبت خلافه علينا فالشافعي، فقيل له: فلم؟ قال: لبيانه وتثبته في السؤال والجواب والاستماع… (135).

تلك هي بعض نماذج أدب الاختلاف، من آداب علماء الأمة، نستنبط منها: أن خلف الأمة في قرون الخير كان يسير حذو السلف، والكل ستقي من أدب النبوة، ولم يكن أدب السلف الصالح يقتصر على تجنب التجريح والتشنيع، بل كان من الآداب الشائعة في ذلك الجيل من العلماء التثبت في أخذ العلم واجتناب الخوض فيما لا علم لهم به، والحرص على تجنب الفتيا خوفاً من الوقوع في الخطأ. قال صاحب القوت: وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت في هذا المسجد (مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) مائة وعشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم أحد يسأل عن حديث أو فتيا إلاّ ودّ أن أخاه كفاه ذلك. وفي لفظ آخر: كانت المسألة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر، ويردها الآخر حتى ترجع إلى الذي سأل عنها أول مرة… (136).

وقد ارتفع هؤلاء الرجال فوق مشاعر الإحساس بالغضاضة، فقد يتوقف أحدهم أمام مسألة، وذكر أن قومه أرسلوه يسأله عنها من مسيرة ستة أشهر، قال مالك: فأخبر الذي أرسلك أني لا علم لي بها. قال الرجل: ومن يعلمها؟ قال مالك: من علّمه الله، قالت الملائكة:

((لا عِلْمَ إلاّ ماَ عَلَّمْتَنَا )) (البقرة: 32).

وروي عن مالك أيضاً أنه سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها: "لا أدري ".

وعن خالد بن خداش قال: قدمت على مالك من العراق بأربعين مسألة فسألته عنها فما أجابني منها إلاّ في خمس مسائل.

وكان لبن عجلان يقول: إذا أخطأ العالم قول (لا أدري ) أصيبت مقاتله.

وروي عن مالك، عن عبد الله بن يزيد بن هرمز قال: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول (لا أدري ) حتى يكون ذلك في أيديهم أصلاً يفزعون إليه، فإذا سئل أحد عما لا يدري قال: لا أدري.

وقال أبو عمر بن عبد البر (توفي سنة 463 ): صح عن أبي الدرداء أنه قال: لا أدري نصف العلم.

مـالك وابن عيينـة:

كان ابن عيينة (137) قرين مالك ونداً له، يقول الإمام الشافعي: "ومالك وابن عيينة القرينان، ولولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز (138)" ومع ذلك فقد روي: أن ابن عيينة ذكر مرة حديثاً فقيل له: إن مالكاً يخالفك في هذا الحديث، فقال القائل، أتقرنني بمالك؟ ما أنا ومالك إلاّ كما قال جرير:

ولبن اللبون إذا ما لزّ في قرن

لم يستطع صولة البزل القناعيس

ويروى لسفيان بن عيينة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يوجد عالم أعلم من عالم المدينة ) فيقال لسفيان: من هو؟ فيقول: إنه مالك بن أنس. ويقول: "كان لا يبلغ من الحديث إلاّ صحيحاً، ولا يحمل الحديث إلاّ عن ثقاة الناس، وما أرى المدينة إلاّ ستخرب بعد موت مالك بن أنس " (139).

مالـك والشـافعي:

يقول الإمام الشافعي: مالك بن أنس معلمي، وعنه أخذت العلم، وإذا ذكر العلماء فمالك النجم، وما أحد آمن علي من مالك بن أنس… (140) وكان يقول: إذا جاءك الحديث من مالك فشد به يديك، كان مالك بن أنس إذا شك في الحديث طرحه كله (141).

أحمـد بن حنبل ومالـك:

عن أبي زرعة الدمشقي قال: سمعت أحمد بن حنبل يُسأل عن سفيان ومالك إذا اختلفا في الرواية، فقال: مالك أكبر في قلتي. قال: قلت فمالك والأوزاعي إذا اختلفا؟ فقال: مالك أحب إليّ، وإن كان الأوزاعي من الأئمة، قيل له: وإبراهيم (أي النخعي ) فكأنه كان يرى أن إبراهيم لا ينبغي أن يقرن بمالك لأنه ليس من أهل الحديث، فقال: هذا ضعه مع أهل زمانه. وسئل عن رجل يريد أن يحفظ حديث رجل واحد - بعينه- قيل له: حديث من ترى له؟ قال: يحفظ حديث مالك(141).

آراء بعض العلماء في أبي حنيفة:

كان شعبة بن الحجاج أميراً للمؤمنين في الحديث(142)، وأبو حنيفة من أهل الرأي بالمكانة التي عرفنا، ورغم تباين منهجيهما فقد كان شعبة كثير التقدير لأبن حنيفة، تجمع بينهما مودة ومراسلة، وكان يوثِّق أبا حنيفة، ويطلب إليه أن يحدِّث، ولما بلغه نبأ موته قال: لقد ذهب معه فقه الكوفة تفضل الله عليه وعلينا برحمته (143).

وسأل رجل يحيى بن سعيد القطان عن أبي حنيفة فقال: ما يتزين عند الله بغير ما يعلمه الله عز وجل ، فإنا - والله - إذا استحسنا من قوله الشيء أخذنا به.

وهكذا لم يكن الاختلاف وتباين الآراء يمنع أحداً من الأخذ بما يراه حسناً عند صاحبه، وذكر فضله في هذا ونسبة قوله إليه.

وعن عبد الله بن المبارك روايات كثيرة في الثناء على أبي حنيفة: فقد كان يذكر عنه كل خير، ويزكيه، ويأخذ من قوله، ويثني عليه، ولا يسمح لأحد أن ينال منه في مسجده، وحاول بعض جلسائه يوماً أن يغمز أبا حنيفة فقال له: اسكت، والله لو رأيت أبا حنيفة لرأيت عقلاً ونبلاً.

ونقل عن الشافعي أنه قال: سئل مالك يوماً عن عثمان البتيِّ، فقال: كان رجلاً مقارباً، وسئل عن ابن أبي شبرمة فقال: كان رجلاً مقارباً، قيل: فأبو حنيفة: قال: لو جاء إلى أساطينكم هذه (يعني سواري المسجد ) فقايسكم على أنها خشب، لظننتم أنها خشب (144) إشارة إلى براعته في القياس،أما الإمام الشافعي فما أكثر ما روي عنه قوله: … الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة (145).

ولم تكن مجالس هؤلاء الرجال ليذكر فيها إلاّ الخير، ومن حاول تجاوز الآداب التي تجب مراعاتها مع أئمة هذه الأئمة هذه الأمة رد إلى الصواب، وحيل بينه وبين مس أحد بما يكره، فقد سئل الفضل بن موسى السيناني(146): ما تقول في هؤلاء الذين يقعون في أبي حنيفة؟ قال: إن أبا حنيفة جاءهم بما يعقلونه وبما لا يعقلونه من العلم، ولم يترك لهم شيئاً فحسدوه (147).

هذه بعض الأقوال التي نقلت عي أئمة في الحديث كانوا مخالفين للإمام أبي حنيفة في معظم ما ذهب إليه، ولكن مخالفتهم له لم تمنعهم من الإشادة به، والثناء عليه، وذكره بما هو أهل له من الخير، ذلك لثقتهم بأن الخلاف بينهم وبينه لم يك وليد الهوى، ولا الرغبة في الاستعلاء، بل كان نشدان الحق ضالة الجميع رحمهم الله، ولولا هذه الأخلاق الكريمة والآداب الفاضلة لاندثر فقه الكثير من علماء سلفنا الصالح، وما كانوا يذبون عن أحد إلاّ لعلمهم أن في ذلك صوناً لفقه هذه الأمة التي لا تستقيم حياتها إلاّ لعلمهم أن في ذلك صوناً لفقه هذه الأمة التي لا تستقيم حياتها إلاّ في ظله.

آراء بعض العلمـاء في الشافعي:

كان ابن عيينة - وهو من هو في مكانته - إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا التفت إلى الشافعي وقال: سلوا هذا . وكثيراً ما كان يقول إذا رآه: هذا أفضل فتيان زمانه. وحين بلغه نبأ وفاة الشافعي قال: إن مات محمد بن إدريس فقد مات أفضل أهل زمانه.

وكان يحيى بن سعيد القطان يقول: أنا أدعو الله للشافعي حتى في صلاتي. وكان عبد الله بن عبد الحكم وولده على مذهب الإمام مالك، ولكن هذا لم يمنع عبد الله بن الحكم من أن يوصي ولده محمداً بلزوم الإمام الشافعي حيث قال له: الزم هذا الشيخ (يعني الشافعي ) فما رأيت أحداً أبصر بأصول العلم - أو قال: أصول الفقه - منه. ويبدو أن الولد قد أخذ بنصيحة أبيه حيث يقول: لولا الشافعي ما عرفت كيف أرد على أحد، وبه عرفت ما عرفت، وهو الذي علمني القياس رحمه الله فقد كان صاحب سنة وأثر، وفضل وخير، مع لسان فصيح، وعقل صحيح رصين (148).

بين الإمام أحمـد والشـافعي:

عن عبد الله بن الإمام أحمد قال، قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي، فإني أسمعك تكثر الدعاء له؟ فقال: يا بني: كان الشافعي رحمه الله كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو عوض؟ . وعن صالح بن الإمام أحمد قال: لقيني يحيى بن معين فقال: أما يستحيي أبوك مما يفعل؟ فقلت: وما يفعل؟ قال: رأيته مع الشافعي والشافعي راكب، وهو راجل آخذ بزمام دابته. فقلت لأبي ذلك، فقال: إن لقيته فقل: يقول لك أبي: إذا أردت أن تتفقه فتعال فخذ بركابه من الجانب الآخر (149).

وعن أبي حميد بن أحمد البصري قال: كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة، فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله لا يصح فيه حديث. فقال: إن لم يصح فيه حديث ففيه يقول الشافعي وحجته أثبت شيء فيه. (ثم قال: أي أحمد ) قلت للشافعي: ما تقول في مسألة كذا وكذا فأجاب فيها، فقلت: من أين قلت؟ هل فيه حديث أو كتاب؟ قال: بلى فنزع في ذلك حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث نص (150).

وكان أحمد رحمه الله يقول: إذا سئلت في مسألة لا أعرف فيها خبراً فلت فيها: يقول الشافعي، لأنه إمام عالم من قريش (151).

وعن داود بن علي الأصبهاني قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال: تعل حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله… فأراني الشافعي .

كان ذلك رأي أحمد بن حنبل في الشافعي، ولا غرو في أن يكون التلميذ معجباً بأستاذه معترفاً له بالفضل، ولكن الشافعي نفسه لم يمنع تتلمذ أحمد عليه من أن يعترف له بالفضل والعلم بالسنة فيقول له: أما تتلمذ أحمد عليه من أن يعترف له بالفضل والعلم بالسنة فيقول له: أما أنتم فأعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث صحيحاً فأعلموني إن يكن كوفياً أو بصرياً أو شامياً، أذهب إليه إذا كان صحيحا ً(152).

وكان الشافعي حين يحدث عن أحمد لا يسميه (تعظيماً له ) بل يقول: "حدثنا الثقة من أصحابنا أو أنبأنا الثقة أو أخبرنا الثقة " (153).

وبعد ك فتلك لمحات خاطفة (154) توضح لنا بعض ما كان عليه أسلافنا من أدب جم، وخلق عال لا ينال منه الاختلاف، ولا يؤثر فيه تباين الاجتهادات، وتلك آداب الرجال الذين تخرجوا في المدرسة المحمدية، فما عاد للهوى عليهم من سلطان؛ وكتب التراجم والطبقات والمناقب والتاريخ حافلة بما لا يحصى من المواقف النبيلة، والمناظرات الطريفة بين كبا الأئمة والتي كان الأدب سداها، والخلق الإسلامي الرفيع لحمتها، وحري بنا ونحن نعيش الشتات في كل أمورنا أن نعود إلى فيء تلك الدوحة المباركة، ونلتقي على الآداب الكريمة التي خلفها لنا سلفنا الصالح إن كنّا جادين في السعي لاستئناف الحياة الإسلامية الفاضلة.

كتاب ( أدب الاختلاف في الإسلام ): للدكتور طه جابر فياض العلواني

الاختلاف في عصر الصحابة وآدابه


إذا تركنا الأمور الخطيرة التي احتويت، وبحثنا في غيرها نجد ما لا ينقضي منه العجب في أدب الاختلاف وتوقير العلماء بعضهم بعضاً، فمما اختلف فيه الشيخان ـ أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ـ غير ما ذكرنا.. سبي أهل الرِّدة، فقد كان أبو بكر يرى سبي نساء المرتدين على عكس ما يراه عمر الذي نقض ـ في خلافته ـ حكم أبي بكر في هذه المسألة، وردهن إلى أهليهن حرائر إلاّ من ولدت لسيدها منهن، ومن جملتهن كانت خولة بنت جعفر الحنفية أم محمد بن علي رضي الله عنهما.

كما اختلفا في قسمة الأراضي المفتوحة: فكان أبو بكر يرى قسمتها وكان عمر يرى وقفها ولم يقسمها.

وكذلك اختلفا في المفاضلة في العطاء، فكان أبو بكر يرى التسوية في الأعطيات حين كان يرى عمر المفاضلة وقد فاضل بين المسلمين في أعطياتهم.

وعمر لم يستخلف على حين استخلفه أبو بكر، كما كان بينهما اختلاف في كثير من مسائل الفقه(37)، ولكن الخلاف ما زاد كلاً منهما في أخيه إلاّحباً، فأبو بكر حين استخلف عمر قال له بعض المسلمين: "ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى من غلظته؟ قال: أقول: اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك " (38).

وحين قال أحدهم لعمر رضي الله عنه: "أنت خير من أبي بكر. أجهش بالبكاء وقال: والله لليلة من أبي بكر خير من عمر وآل عمر "(39).

تلك نماذج من الاختلافات بين الشيخين، اختلفت الآراء وما اختلفت القلوب، لأن نياطها شدَّت بأسباب السماء فما عاد لتراب الأرض عليها من سلطان.

بين عمــر وعـلــي:

وقد كان بين عمر وعلي رضي الله عنهما بعض الاختلافات، ولكن في نطاق أدب رفيع. فقد أرسل عمر رضي الله عنه مرة إلى امرأة مغيبة (زوجها غائب ) كان يُدخلَ عليها فأنكر ذلك، فأرسل إليها، فقيل لها أجيبي عمر. فقالت: يا ويلاه ما لها ولعمر؟ فبينما هي في الطريق (إليه ) فزعت فضربها الطلق، فدخلت داراً فألقت ولدها، فصاح الصبي صيحتين ثم مات. فاستشار عمر صحب النبي صلى الله عليه وسلم فأشار عليه بعضهم: أنه ليس عليك شيء، إنما أنت والٍ مؤدب، وصمت علي رضي الله عنه ، فأقبل عليه عمر وقال: ما تقول؟ قال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك، أرى أن ديته عليك، فإنك أنت أفزعتها، وألقت ولدها بسببك؛ فأمر عمر أن يقسم عقله (دية الصبي ) على قومه(40). وهكذا نزل عمر على رأي علي رضي الله عنهما ولم يجد غضاضة في العمل باجتهاده وهو أمير المؤمنين، وقد كان في رأي غيره له منجاة.

بين عمر وعبد الله بن مسعود:

عبد الله بن مسعود من أقرأ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكتاب الله، ومن أعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان كثير من الصحابة يعدونه من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لكثرة ملازمته له، قال أبو موسى الأشعري: "كنا حيناً وما نرى ابن مسعود وأمّه إلاّ من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة دخولهم ولزومهم له "(41). وقال أبو مسعود البدري مشيراً إلى عبد الله بن مسعود، وقد رآه مقبلاً: "ما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك بعده أحداً أعلم بما أنزل الله تعالى من هذا القادم. فقال أبو موسى: لقد كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا "(42).

وعمر رضي الله عنه معروف من هو في فقهه وجلالة قدره، وقد كان ابن مسعود أحد رجال عمر رضي الله عنهما في بعض الأعمال، وقد وافق عبد الله، عمر رضي الله عنهما في كثير من اجتهاداته، حتى اعتبره المؤرخون للتشريع الإسلامي أكثر الصحابة تأثراً بعمر، وكثيراً ما كانا يتوافقان في اجتهاداتهما، وطرائقهما في الاستدلال، وربما رجع عبد الله إلى مذهب عمر في بعض المسائل الفقهية كما في مسألة مقاسمة الجد الإخوة مرة إلى الثلث، ومرة إلى السدس (43).

ولكنهما اختلفا في مسائل كثيرة أيضاً، ومن مسائل الخلاف بينهما: أن ابن مسعود كان يطبق يديه في للصلاة، وينهى عن وضعهما على الركب، وعمر كان يفعل ذلك وينهى عن التطبيق.

وكان ابن مسعود يرى في قول الرجل لامرأته: "أنت عَلَيَّ حرام " أنه يمين، وعمر يقول: هي طلقة واحدة.

وكان ابن مسعود يقول في رجل زنى بامرأة ثم تزوجها: لا يزالان زانيين ما اجتمعا، وعمر لا يرى ذلك، ويعتبر أوله سفاحاً وآخره نكاحاً (44).

ولقد ذكر ابن القيم في "إعلام الموقعين " أن المسائل الفقهية التي خالف فيها ابن مسعود عمر رضي الله عنهما بلغت مائة مسألة وذكر أربعاً منها(45). ومع ذلك فإن اختلافهما هذا ما نقص من حب أحدهما لصاحبه، وما أضعف من تقدير ومودة أي منهما للآخر، فهذا ابن مسعود يأتيه اثنان: أحدهما قرأ على عمر وآخر قرأ على صحابي آخر، فيقول الذي قرأ على عمر: اقرأنيها عمر بن الخطاب، فيجهش ابن مسعود بالبكاء حتى يبل الحصى بدموعه، ويقول: اقرأ كما أقرأك عمر فإنه كان للإسلام حصناً حصيناً، يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه، فلما أصيب عمر انثلم الحصن (46).

ويقبل ابن مسعود يوماً وعمر جالس فلما رآه مقبلاً قال: "كنيّف مُلئ فقهاً أوعلما ً" وفي رواية: "كنيّف ملئ علماً آثرت به أهل القادسية "(47). هكذا كانت نظرة عمر لابن مسعود رضي الله عنهما، لم يزده الاختلاف بينهما في تلكم المسائل إلاّ محبة وتقديراً له، ولنا أن نستنبط من تلك الأحداث آداباً تكون نبراساً في معالجة القضايا الخلافية.

بين ابن عبَّاس وزيد بن ثابت:

وحتى نتلمس المزيد من أدب الاختلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم نعرض القضايا الخلافية، فنقول: كان ابن عباس رضي الله عنهما يذهب كالصدِّيق وكثير من الصحابة إلى أن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات في المواريث كالأب، وكان زيد بن ثابت كعلي وابن مسعود وفريق آخر من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يذهب إلى توريث الإخوة مع الجد ولا يحجبهم به، فقال ابن عباس يوماً: ألا يتقي الله زيد، يجعل ابن الابن ابناً ولا يجعل أب الأب أباً!: وقال: لوددت أني وهؤلاء الذين يخالفونني في الفريضة نجتمع، فنضع أيدينا على الركن، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. . . (48).

تلك أمثلة من اختلافات الصحابة الفقهية، نوردها لا لنعمق الهوة ونؤصل الاختلاف بل لتنحصر ضالتنا في استقراء آداب نلتقي عليها في حل خلافاتنا الفقهية حتى يغدو أسلوب حياة لنا في تعاملنا مع الناس.

إن ابن عباس رضي الله عنهما الذي بلغت ثقته بصحة اجتهاده وخطأ اجتهاد زيد هذا الحد الذي رأيناه، رأى زيد بن ثابت يوماً يركب دابته فأخذ بركابه يقود به، فقال زيد: تَنَحَّ يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقول ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا. فقال زيد: أرني يدك. فأخرج ابن عباس يده، فقبلها زيد وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا(49). وحين توفي زيد قال ابن عباس: "هكذا يذهب العلم "(50) وفي رواية البيهقي في سننه الكبرى "هكذا ذهاب العلم، لقد دفن اليوم علم كثير "(51). وكان عمر رضي الله عنه يدعو ابن عباس للمعضلات من المسائل مع شيوخ المهاجرين والأنصار من البدريين وغيرهم (52).

والحق لو أننا حاولنا تتبع القضايا الخلافية بين الصحابة في مسائل الفقه، وسلوكهم في عرض مذاهبهم لسودنا في ذلك كتباً، وهذا ليس مبتغانا هنا إنما نورد نماذج - فقط - نستشف منها الآداب التي تربى عليها جيل الصحابة رضوان الله عليهم، لتدل على مدى التزامهم بأدب الاختلاف في الظروف كلها.

وحين جرى الكتاب بما سبق في علم الله، ووقعت الفتن الكبرى، وحدث ما حدث بين الصحابة ـ لأمور الله وحده العالم بكل أسبابها، والمحيط بسائر عواملها ـ حين حدث ذلك ووقع السيف بينهم ما نسي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضائل أهل الفضل منهم، ولا أنستهم الأحداث الجسام والفتن العظام مناقب أهل المناقب منهم، فهذا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يقول عنه مروان بن الحكم: "ما رأيت أحداً أكرم غلبة من علي ما هو إلاّ ولينا يوم الجمل فنادى مناديه. . . ولا يذفف ـ أي يجهز ـ على جريح " (53).

ويدخل عمران بن طلحة على عليّ رضي الله عنه، بعدما فرغ من معركة الجمل، فيرحب به ويدنيه ويقول: "إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله عز وجل فيهم: ((وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إخْواناً على سُرُرٍ مُتَقَابِلِين )) [الحجر:47]. ثم أخذ يسأله عن أهل بيت طلحة فرداً فرداً وعن غلمانه وعن أمهات أولاده... يا ابن أخي كيف فلانة؟ كيف فلانة؟ ويستغرب بعض الحاضرين ممن لم يحظوا بشرف صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يدركوا ماذا يعني أن يكون الإنسان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول رجلان جالسان على ناحية البساط: الله أعدل من ذلك، تقتلهم بالأمس وتكونون إخواناً في الجنة؟ فيغضب الإمام علي، ويقول للقائلين: "قوما أبْعَدَ أرضِ الله وأسحقها فمن هو إذاً إن لم أكن أنا وطلحة، فمن إذن؟! " (54).

ويسأل بعضهم أمير المؤمنين علياً عن "أهل الجمل " أمشركون هم؟ فيقول رضي الله عنه: من الشرك فرُّوا .

قال: أمنافقون هم؟ فيقول رضي الله عنه: إن المنافقين لا يذكرون الله إلاّ قليلاً .

فيقال: فمن هم إذن؟ فيقول كرَّم الله وجهه: إخواننا بغوا علينا (55).

وينال أحدهم من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بمحضر من عمار بن ياسر الذي كان على غير موقفها يوم الجمل ـ كما هو معروف ـ فيقول رضي الله عنه: "اسكت مقبوحاً منبوحاً، أتؤذي محبوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشهد أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة؟ لقد سارت أمنا عائشة رضي الله عنها مسيرها وإنا لنعلم أنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها " (56).

أي أدب بعد هذا ينتظر صدوره من رجال قضت مشيئة الله أن تتلاقى رماحهم، لكن النور الذي استقوه من مشكاة النبوة ظل ينير قلوباً عجزت الإحن أن تغشاها، ففاضت بمثل هذا الأدب في الاختلاف، وحمداً لله فما كان الله جل شأنه ليجمع في رجال عصور الخير الاختلاف ومجانفة الأدب.

كتاب ( أدب الاختلاف في الإسلام ): للدكتور طه جابر فياض العلواني

بيعة العقبة الأولى

الثلاثاء، 18 مايو 2010

ما من ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ كان هو المتكفل بعبء الدعوة الى دين الله ’ إذ هو الرسول الى الناس كافة فلا بد له من تبليغ دعوة ربه .


ولكن ماذا عن أولئك الذين يدخلون فى الإسلام وعن علاقتهم بعبء هذه الدعوة ؟

إنك لتجد الجواب على هذا فى إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم مصعب ابن عمير مع أولئك الإثنى عشر رجلاً الى المدينة بدعوة أهل المدينة الى الإسلام وتعليمهم قراءة القرآن وأحكامه وإقامة الصلاة .
ولقد إنطلق مصعب ابن عمير سعيداً بتلبية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ وراح يدعو أهل المدينة الى الإسلام ويقرأ عليهم القرآن ويبلغهم أحكام الله ’ ولقد كان الرجل يدخل وفى يده الحربة يريد أن يقتله بها ’ فما هو إلا أن يتلوا عليه شيئاً من كتاب الله تعالى ويذكر له بعض أحكام الإسلام ’ حتى يلقى حربته ويتخذ مجلسه مع من حوله مسلماً موحداً يتعلم القرآن وأحكام الإسلام ’ حتى إنتشر الإسلام فى المدينة كلها ولم يكن بينهم حديث إلا عن الإسلام .

وهل تعلم من هو مصعب ابن عمير هذا ؟

إنه إذ ذاك كان أنعم غلام بمكة ’وأجود شبانها حلّة وبهاءً ’ لفما دخل الإسلام طوى كل تلك الرفاهية وذلك النعيم ’ وانطلق فى سبيل الدعوة الإسلامية من وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرع كل شدة ويستعذب كل عذاب حتى قضى نحبه شهيداً فى غزوة أحد ’ وليس له مما كان يلبسه إلا ثوب واحد ’ أرادوا أن يكفنوه به ’ فكانوا إذا غطوا به رأسه خرجت رجلاه وإذا غطوا رجليه خرج رأسه فأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ فبكى للذى كان فيه من النعمة فى صدر حياته ’ ثم قال :( ضعوه مما يلى رأسه واجعلوا على رجليه شيئاً من الإذخر ) .

فليست مهمة الدعوة الإسلامية وقفاً على الرسل والأنبياء وحدهم ’ ولا على خلفائهم وورثتهم العلماء الذين يأتون من بعدهم ’ وإنما الدعوة الإسلامية جزءاً لا يتجزء من حقيقة الإسلام نفسه’ فلا مناص ولا مفر لكل مسلم من القيام بعئها مهما كان شأنه أو عمله واختصاصه . إذ حقيقة الدعوة الإسلامية إنما هى :( الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر ) وهو جماع معنى الجهاد كله فى الإسلام .

وأنت خبير أن الجهاد فرض من فروض الإسلام تستقر تبعته على كل مسلم ’ ومن هنا تعلم أنه لا معنى ولا مكان لكلمة ( رجال الدين ) فى المجتمع الإسلامى’ حينما تطلق على فئة معينة من المسلمين ’ ذلك أن كل من دخل الإسلام فقد بايع الله ورسوله على الجهاد من أجل هذا الدين ’ ذكراً كان أم انثى ’ عالماً أم جاهلاً ’ ومهما كان شا،ه أو إختصاصه ’ فالمسلمون كلهم رجال لهذا الدين ’ إشترى منهم الله أرواحهم و أموالهم بأن لهم الجنة يسخرونهما فى سبيل إقامة دينه ونصر شريعته .

فقه السيرة النبوية : محمد سعيد رمضان البوطي

بلاد المطربين .. أوطاني – أحلام مستغانمي


وصلتُ إلى بيروت في بداية التسعينات، في توقيت وصول الشاب خالد إلى النجوميّة العالميّة. أُغنية واحدة قذفت به إلى المجد• كانت أغنية "دي دي واه" شاغلة الناس ليلاً ونهاراً. على موسيقاها تُقام الأعراس، وتُقدَّم عروض الأزياء، وعلى إيقاعها ترقص بيروت ليلاً، وتذهب إلى مشاغلها صباحاً
كنت قادمة لتوِّي من باريس، وفي حوزتي مخطوط "الجسد"، أربعمئة صفحة قضيت أربع سنوات في نحتها جملة جملة، محاوِلة ما استطعت تضمينها نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، إنقاذاً لماضينا، ورغبة في تعريف العالم العربي إلى أمجادنا وأوجاعنا.لكنني ما كنت أُعلن عن هويتي إلاّ ويُجاملني أحدهم قائلاً: "آه.. أنتِ من بلاد الشاب خالد!"، واجداً في هذا الرجل الذي يضع قرطاً في أذنه، ويظهر في التلفزيون الفرنسي برفقة كلبه، ولا جواب له عن أي سؤال سوى الضحك الغبيّ، قرابة بمواجعي. وفوراً يصبح السؤال، ما معنى عِبَارة "دي دي واه"؟ وعندما أعترف بعدم فهمي أنا أيضاً معناها، يتحسَّر سائلي على قَدَر الجزائر، التي بسبب الاستعمار لا تفهم اللغة العربية!
وبعد أن أتعبني الجواب عن "فزّورة" (دي دي واه)، وقضيت زمناً طويلاً أعتذر للأصدقاء والغرباء وسائقي التاكسي، وعامل محطة البنزين المصري، ومصففة شعري عن جهلي وأُميتي، قررت ألاّ أفصح عن هويتي الجزائرية، كي أرتاح.
لم يحزنّي أن مطرباً بكلمتين، أو بالأحرى بأغنية من حرفين، حقق مجداً ومكاسب، لا يحققها أي كاتب عربي نذر عمره للكلمات، بقدر ما أحزنني أنني جئت المشرق في الزمن الخطأ.
ففي الخمسينات، كان الجزائري يُنسبُ إلى بلد الأمير عبدالقادر، وفي الستينات إلى بلد أحمد بن بلّة وجميلة بوحيرد، وفي السبعينات إلى بلد هواري بومدين والمليون شهيد. اليوم يُنسب العربي إلى مطربيه، وإلى الْمُغنِّي الذي يمثله في "ستار أكاديمي". وهكذا، حتى وقت قريب، كنت أتلقّى المدح كجزائرية من قِبَل الذين أحبُّوا الفتاة التي مثلت الجزائر في "ستار أكاديمي"، وأُواسَى نيابة عنها. هذا عندما لا يخالني البعض مغربية، ويُبدي لي تعاطفه مع صوفيا.
وقبل حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان، كنت أتابع بقهر ذات مساء، تلك الرسائل الهابطة المحبطة التي تُبث على قنوات الغناء، عندما حضرني قول "ستالين" وهو ينادي، من خلال المذياع، الشعب الروسي للمقاومة، والنازيون على أبواب موسكو، صائحاً: "دافعوا عن وطن بوشكين وتولستوي". وقلت لنفسي مازحة، لو عاودت إسرائيل اليوم اجتياح لبنان أو غزو مصر، لَمَا وجدنا أمامنا من سبيل لتعبئة الشباب واستنفار مشاعرهم الوطنية، سوى بث نداءات ورسائل على الفضائيات الغنائية، أن دافعوا عن وطن هيفاء وهبي وإليسا ونانسي عجرم ومروى وروبي وأخواتهن. فلا أرى أسماء غير هذه لشحذ الهمم ولمّ الحشود.
وليس واللّه في الأمر نكتة. فمنذ أربع سنوات خرج الأسير المصري محمود السواركة من المعتقلات الإسرائيلية، التي قضى فيها اثنتين وعشرين سنة، حتى استحق لقب أقدم أسير مصري، ولم يجد الرجل أحداً في انتظاره من "الجماهير" التي ناضل من أجلها، ولا استحق خبر إطلاق سراحه أكثر من مربّع في جريدة، بينما اضطر مسؤولو الأمن في مطار القاهرة إلى تهريب نجم "ستار أكاديمي" محمد عطيّة بعد وقوع جرحى جرّاء تَدَافُع مئات الشبّان والشابّات، الذين ظلُّوا يترددون على المطار مع كل موعد لوصول طائرة من بيروت.
في أوطان كانت تُنسب إلى الأبطال، وغَدَت تُنسب إلى الصبيان، قرأنا أنّ محمد خلاوي، الطالب السابق في "ستار أكاديمي"، ظلَّ لأسابيع لا يمشي إلاّ محاطاً بخمسة حراس لا يفارقونه أبداً.. ربما أخذ الولد مأخذ الجد لقب "الزعيم" الذي أطلقه زملاؤه عليه!
ولقد تعرّفت إلى الغالية المناضلة الكبيرة جميلة بوحيرد في رحلة بين الجزائر وفرنسا، وكانت تسافر على الدرجة الاقتصادية، مُحمَّلة بما تحمله أُمٌّ من مؤونة غذائية لابنها الوحيد، وشعرت بالخجل، لأن مثلها لا يسافر على الدرجة الأُولى، بينما يفاخر فرخ وُلد لتوّه على بلاتوهات "ستار أكاديمي"، بأنه لا يتنقّل إلاّ بطائرة حكوميّة خاصة، وُضِعَت تحت تصرّفه، لأنه رفع اسم بلده عالياً!
ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه.. أواه.. ثمّ أواه.. مازال ثمَّة مَن يسألني عن معنى "دي دي واه"!

قيمة الزمن

الأحد، 16 مايو 2010

قال إبن الجوزي في رسالته اللطيفة التي نصح فيها ولده وسماها : لفتة الكبد في نصيحة الولد : وأعلم يا ولدي أنا الأيام تبسط ساعات والساعات تبسط أنفاسا وكل نفس خزانة فأحذر أن يذهب نفس بغير شيء فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم !

وإنظر كل ساعة من ساعاتك بما تذهب، فلا تودعها إلا إلى أشرف ما يمكن، ولا تهمل نفسك، وعودها أشرف ما يكون من العمل وأحسنه ، وإبعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم الوصول إليه .


مأخوذ من كتاب قيمة الزمن عند العلماء لعبد الفتاح أبو غدة

السيرة النبوية : دروس وعبر

السبت، 15 مايو 2010

مصادر السيرة النبوية

القران الكريم
ألسنة النبوية الصحيحة
الشعر العربي المعاصر لعهد الرسالة
كتب السيرة


في حياته قبل البعثة

-كلما كان الداعية في شرف من قومه كان ذلك ادعى لإستماع الناس له
-كلما عاش الداعية في جو أقرب إلى الفطرة وأبعد عن الحياة المعقدة كان ذلك ادعى إلى صفاء ذهنه وسلامة منطقه وتفكيره
-لا يتأهل إلى مركز الدعوة إلا الذكي النبيه
-ينبغي للداعية أن يعتمد في معيشته عن جهده الشخصي
-إن استقامة الداعية في شبابه وحسن سيرته ادعى إلى نجاحه في الدعوة
-إن تجارب الداعية وسفره ومعاشرته للناس ومعرفته عاداتهم ومشكلاتهم لها أثر كبير في نجاح الدعوة
-يجب على الداعية أن تكون له بين الفينة الفينة أوقات يخلو فيها بنفسه تتصل فيها روحه بالله وتصفو فيها نفسه

في السيرة منذ البعثة حتى الهجرة إلى الحبشة

-إن دعوة الإصلاح إذا كانت غريبة على معتقدات الجمهور، ينبغي ألا يجهر بها الداعية حتى يؤمن بها عدد يضحون في سبيلها بالغالي والرخيص
-إن على الداعية أن يجتمع بأنصاره ليزيدهم إيمانا بدعوته وليعلمهم طرقها واساليبها
-إن في أمر رسول الله أصحابه بالهجرة إلى الحبشة دليلا على أن رابطة الدين بين المتدينين أقوى وأوثق من رابطتهم مع الوثنيين

في السيرة من الهجرة إلى الحبشة حتى الهجرة إلى المدينة

-الزوجة الصالحة المؤمنة تذليل كثيراً من الصعاب لزوجها الداعية إذا شاركته في همومه وألامه ، إذ تخفف عنه عبء الهموم وتعينه على الثبات

أسرار الإسراء والمعراج :

فيها ربط قضية المسجد الأقصى وما حوله بقضية العالم الإسلامي
فيها رمز لسمو المسلم ووجوب أن يرتفع فوق أهواء الدنيا وشهواتها
الصلاة هي معراج تعرج فيها الأرواح إلى خالقها

من الهجرة إلى الإستقرار في المدينة

-إن المؤمن إذا كان واثقاً من قوته لا يستخفي في عمله ولا يبالي بأعداء الدعوة ما دام واثقاً في التغلب عليهم كما فعل عمر حين هاجر
-في إيداع المشركين ودائعهم عند رسول الله دليل على أنهم يوقنون بأمانته ونزاهته
-إن التفكير في النجاة من تأمر المتربصين لا يعتبر جبنا أو فراراً من الموت
-موقف عبد الله إبن ابي بكر => أثر الشباب في الدعوات
-موقف عايشة واسماء => حاجة الدعوات إلى النساء
-يا أبا بكر ماظنك بإثنين الله ثالثهما => الصدق في الثقة بالله والإطمئنان إلى نصره
-أول ما قام به الرسول في المدينة : بناء المسجد => أهمية المسجد
-في الكتاب الذي عقد فيه الرسول بين المهاجرين والأنصار دليل على إن أساس الدولة الاسلامية قائم على العدالة الإجتماعية وإن أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو السلم ما سالمو و أن مبدأ ألحق والعدل والتعاون على البر والتقوى والعمل لخير الناس ودفع أذى الأشرار عن المجتمع هو أبرز الشعارات التي تنادي بها دولة الإسلام


في معارك الرسول الحربية

-إن النصر في المعارك لا يكون بكثرة العدد ووفرة السلاح وانما بقوة الروح المعنوية للجيش
-إن على القائد ألا يكره جنوده على القتال حتى يتأكد من رضاهم وتحمسهم
-إن من طبيعة الداعية الصادق أن يحرص على هداية أعدائه و أن يفسح لهم المجال لعل الله يهديهم (سر ميل الرسول إلى فداء أسرى بدر)
-في اصابة الرسول في أحد عزاء لما يصيبهم في سبيل الله من أذًى وإضطهاد
-من وصايا الرسول للجيش في غزوة مؤتة نلمس تبع الرحمة الإنسانية في قتال الإسلام

من فتح مكة إلى وفاة الرسول

خطبة حجة الوداع تؤكد أن المبادئ التي اعلنها الرسول في بداية الدعوة مبادئ ثابتة لم تتغير في الحرب و السلم، في الهزيمة و النصر، في القوة و الضعف
تأمير اسامة إبن زيد على جيش إلى الشام : يدل على وجوب فسح المجال لكفاءت الشباب وتمكنهم من القيادة أضحى كانوا أهلاً لذلك

مقتبس من كتاب السيرة النبوية دروس وعبر لمصطفى السباعي

قوة الإستدلال العقلي عند المعتزلة

الجمعة، 14 مايو 2010

جاء في الإنتصار أن المانوية تزعم أن الصدق والكذب متضادان وأن الصدق خير وهو النور والكذب شر وهو الظلمة، وقال لهم ابراهيم النظام : حدثونا عن إنسان قال قولا كذب فيه، من الكاذب ؟ قالوا : الظلمة ...قال: فإن ندم بعد ذلك على ما فعل من الكذب وقال قد كذبت وأسأت ، من القائل قد كذبت ؟ فختلطوا عند ذلك ولم يدروا ما يقولون فقال : إن زعمتم أن النور هو القائل قد كذبت وأسأت فقد كذب ، لأنه لم يكن الكذب منه ، ولا قاله ، والكذب شر ، فقد كان من النور شر وهذا هدم قولكم ، وإن قلتم إن الظلمة قلت قد كذبت وأسأت فقد صدقت والصدق خير ، فقد كان من الظلمة صدق وكذب ، وهما عندكم مختلفاً خيراً وشراً على حكمكم .

مأخوذ من كتاب أبو حنيفة : حياته وعصره للأمام محمد أبو زهرة

ورع أبو حنيفة

السبت، 8 مايو 2010

اتصف أبو حنيفة التاجر بأربع صفات لها صلة بمعاملة الناس في التجارة، تجعله مثلًا كاملًا للتاجر المستقيم. كما هو في الذروة بين العلماء.

- فقد كان ثري النفس، لم يستول عليه الطمع الذي يفقر النفوس.

- وكان عظيم الأمانة شديداً على نفسه في كل ما يتصل بها.

- وكان سمحا : قد وقاه الله شح نفسه.

- وكان بالغ التدين، شديد التنسك، عظيم العبادة، يصوم النهار، ويقوم الليل.

فكان لهذه الصفات مجتمعة أثرها في معاملاته التجارية حتى أصبح غريباً بين التجار.

وحتى لقد شبهه الكثيرون بأبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان في شرائه كبيعة، يجري على حكم الأمانة :

جاءته امرأة بثوب من الحرير تبيعه له.

فقال : كم ثمنه؟

فقالت : مائة.

فقال : هو خير من مائة.. بكم تقولين؟

فزادت مائة.. مائة... حتى قالت: أربعمائة

قال : هو خير من ذلك.

فقالت : تهزأ بي؟

فقال : هاتي رجلًا يقوّمه.

فجاءت برجل فاشتراه بخمسمائة.


مأخوذ من كتاب أبو حنيفة : حياته وعصره للأمام محمد أبو زهرة




أبو حنيفة و تعدد الزوجات

وقع يوماً بين الخليفة المنصور وزوجته شقاق وخلاف بسبب ميله عنها ، فطلبت منه العدل فقال لها من ترضين في الحكومة بيني وبينك؟ قالت أبا حنيفة، فرضي هو به فجاءه فقال له: يا أبا حنيفة زوجتي تخاصمني فانصفني منها، فقال له أبو حنيفة: لِيتكلَّم أمير المؤمنين. فقال المنصور: كم يحلُّ للرجال أن يتزوج من النساء ؟ قال: أربع. قال المنصور لزوجته: أسمعتِ. فقال أبو حنيفة: يا أمير المؤمنين إنما أحلَّ الله هذا لأهل العدل فمن لم يعدل أو خاف أن لا يعدل فواحدة لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، فينبغي لنا أن نتأدَّب مع الله و نتَّعظ بمواعظه . فسكت المنصور وطال سكوته، فقام أبو حنيفة وخرج فلما بلغ منزله أرسلت إليه زوجة المنصور خادماً ومعه مال وثياب، فردها وقال: أقرئها السلام وقل لها إنما ناضلتُ عن ديني وقمتُ بذلك المقام لله ولم أرد بذلك تقرباً إلى أحد ولا التمستُ به دنيا.

مأخوذ من كتاب أبو حنيفة : حياته وعصره للأمام محمد أبو زهرة