بيعة العقبة الأولى

الثلاثاء، 18 مايو 2010

ما من ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ كان هو المتكفل بعبء الدعوة الى دين الله ’ إذ هو الرسول الى الناس كافة فلا بد له من تبليغ دعوة ربه .


ولكن ماذا عن أولئك الذين يدخلون فى الإسلام وعن علاقتهم بعبء هذه الدعوة ؟

إنك لتجد الجواب على هذا فى إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم مصعب ابن عمير مع أولئك الإثنى عشر رجلاً الى المدينة بدعوة أهل المدينة الى الإسلام وتعليمهم قراءة القرآن وأحكامه وإقامة الصلاة .
ولقد إنطلق مصعب ابن عمير سعيداً بتلبية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ وراح يدعو أهل المدينة الى الإسلام ويقرأ عليهم القرآن ويبلغهم أحكام الله ’ ولقد كان الرجل يدخل وفى يده الحربة يريد أن يقتله بها ’ فما هو إلا أن يتلوا عليه شيئاً من كتاب الله تعالى ويذكر له بعض أحكام الإسلام ’ حتى يلقى حربته ويتخذ مجلسه مع من حوله مسلماً موحداً يتعلم القرآن وأحكام الإسلام ’ حتى إنتشر الإسلام فى المدينة كلها ولم يكن بينهم حديث إلا عن الإسلام .

وهل تعلم من هو مصعب ابن عمير هذا ؟

إنه إذ ذاك كان أنعم غلام بمكة ’وأجود شبانها حلّة وبهاءً ’ لفما دخل الإسلام طوى كل تلك الرفاهية وذلك النعيم ’ وانطلق فى سبيل الدعوة الإسلامية من وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرع كل شدة ويستعذب كل عذاب حتى قضى نحبه شهيداً فى غزوة أحد ’ وليس له مما كان يلبسه إلا ثوب واحد ’ أرادوا أن يكفنوه به ’ فكانوا إذا غطوا به رأسه خرجت رجلاه وإذا غطوا رجليه خرج رأسه فأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ فبكى للذى كان فيه من النعمة فى صدر حياته ’ ثم قال :( ضعوه مما يلى رأسه واجعلوا على رجليه شيئاً من الإذخر ) .

فليست مهمة الدعوة الإسلامية وقفاً على الرسل والأنبياء وحدهم ’ ولا على خلفائهم وورثتهم العلماء الذين يأتون من بعدهم ’ وإنما الدعوة الإسلامية جزءاً لا يتجزء من حقيقة الإسلام نفسه’ فلا مناص ولا مفر لكل مسلم من القيام بعئها مهما كان شأنه أو عمله واختصاصه . إذ حقيقة الدعوة الإسلامية إنما هى :( الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر ) وهو جماع معنى الجهاد كله فى الإسلام .

وأنت خبير أن الجهاد فرض من فروض الإسلام تستقر تبعته على كل مسلم ’ ومن هنا تعلم أنه لا معنى ولا مكان لكلمة ( رجال الدين ) فى المجتمع الإسلامى’ حينما تطلق على فئة معينة من المسلمين ’ ذلك أن كل من دخل الإسلام فقد بايع الله ورسوله على الجهاد من أجل هذا الدين ’ ذكراً كان أم انثى ’ عالماً أم جاهلاً ’ ومهما كان شا،ه أو إختصاصه ’ فالمسلمون كلهم رجال لهذا الدين ’ إشترى منهم الله أرواحهم و أموالهم بأن لهم الجنة يسخرونهما فى سبيل إقامة دينه ونصر شريعته .

فقه السيرة النبوية : محمد سعيد رمضان البوطي

0 commentaires: